فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الوقوف:

{لإبراهيم} o ط لأن التقدير واذكر. وجوز في الكشاف أن يتعلق الظرف بما في الشيعة من معنى المتابعة فلا وقف {سليم} o {تعبدون} o ج للابتداء بالاستفهام مع اتحاد المقول {تريدون} o ط لاستفهام آخر {العالمين} o {في النجوم} o لا للفاء واتحاد المعنى {سقيم} o {مدبرين} o {تأكلون} o ج للاستفهام مع الاتحاد كما مر {لا تنطقون} o {باليمين} o {يزفون} o {تنحتون} o لا لأن الواو للحال {تعملون} o {في الجحيم} o {الأسفلين} o {سيهدين} o {الصالحين} o {حليم} o {ماذا ترى} ط {ما تؤمر} ز للسين مع اتصال المقول {الصابرين} o {للجبين} o ج لاحتمال أن الواو مقحمة {وناديناه} جواب لما، ولاحتمال أن الجواب محذوف أي قبلنا منه وناديناه {يا إبراهيم} o لا {الرؤيا} ج لاحتمال أن ما بعده داخل في حكم النداء أو مستأنف {المحسنين} o {المبين} o {عظيم} o {في الآخرين} o لا {إبراهيم} o {المحسنين} o {المؤمنين} o {الصالحين} o {إسحق} ط {مبين} o {وهارون} o ج للآية مع العطف {العظيم} o ج لذلك {الغالبين} o لا {المستبين} o ج {المستقيم} o ج {في الآخرين} o لا {وهارون} o {المحسنين} o {المؤمنين} o {المرسلين} o لا وجه صحيح وإن لم يكن مقصودًا فلهذا لم يكن الوقف لازمًا.
{تتقون} o {الخالقين} o لا لمن قرأ {الله} بالنصب {الأوّلين} o {لمحضرون} o {المخلصين} o {في الآخرين} o لا {الياسين} o {المحسنين} o {المؤمنين} o {المرسلين} o {أجميعن} o لا {الغابرين} o {الآخرين} o {مصبحين} o لا {وبالليل} ط {تعقلون} o {المرسلين} o لا {المشحون} o لا {المدحضين} o ج لحق المحذوف مع الفاء {مليم} o {من المسبحين} o لا {يبعثون} o {سقيم}{يقطين} o ج {أو يزيدون} o ط {إلى حين} o ط {البنون} o ط {شاهدون} o {ليقولون} o لا {ولد الله} لا تعجيلًا لتكذيبهم {لكاذبون} o {البنين} o ط لابتداء استفهام آخر {تحكمون} o {تذكرون} o ج لأن أم تصلح استئنافًا {مبين} o لا لتعجيل أمر التعجيز {صادقين} o {نسبًا} ط {لمحضرون} o لا لتعلق الاستثناء و{سبحان الله} معترض {يصفون} o {المخلصين} o {تعبدون} o لا {بفاتنين} o لا {الجحيم} o {معلوم} o {الصافون} o ج للعطف مع الاتفاق {المسبحون} o ج {ليقولون} o لا {من الأوّلين} o لا {المخلصين} o {يعلمون} o {المرسلين} o لأن ما بعده يصلح ابتداء مقولًا للكلمة {المنصورون} o ص لعطف الجملتين المفقتين {الغالبون} o {حين} o لا للعطف ولشدة اتصال المعنى {يبصرون} o {يستعجلون} o {المنذرين} o {حين} o لا {يبصرون} o {عما يصفون} o ج لعطف جملتين مختلفتين {المرسلين} o ج للابتداء بالحمد الذي به يبتدأ الكلام وإليه ينتهي مع اتفاق الجملتين {العالمين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
الضمير في قوله من شيعته إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: وهو الأظهر أنه عائد إلى نوح عليه السلام أي من شيعة نوح أي من أهل بيته وعلى دينه ومنهاجه لإبراهيم، قالوا: وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان هود وصالح، وروى صاحب الكشاف أنه كان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة الثاني: قال الكلبي المراد من شيعة محمد لإبراهيم بمعنى أنه كان على دينه ومنهاجه فهو من شيعته وإن كان سابقًا له والأول أظهر، لأنه تقدم ذكر نوح عليه السلام، ولم يتقدم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فعود الضمير إلى نوح أولى.
المسألة الثانية:
العامل في {إِذْ} ما دل عليه قوله: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه بقلب سليم لإبراهيم.
أما قوله: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
في قوله: {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قولان: الأول: قال مقاتل والكلبي يعني خالص من الشرك، والمعنى أنه سلم من الشرك فلم يشرك بالله والثاني: قال الأصوليون المراد أنه عاش ومات على طهارة القلب من كل دنس من المعاصي، فيدخل فيه كونه سليمًا عن الشرك وعن الشك وعن الغل والغش والحقد والحسد.
عن ابن عباس أنه كان يحب للناس ما يحب لنفسه، وسلم جميع الناس من غشه وظلمه وأسلمه الله تعالى فلم يعدل به أحدًا، واحتج الذاهبون إلى القول الأول بأنه تعالى ذكر بعد هذه الكلمة إنكاره على قومه الشرك بالله، وهو قوله: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} واحتج الذاهبون إلى القول الثاني بأن اللفظ مطلق فلا يقيد بصفة دون صفة، ويتأكد هذا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالمين} [الأنبياء: 51] مع أنه تعالى قال: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وقال: {وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ السموات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين} [الأنعام: 75] فإن قيل ما معنى المجيء بقلبه ربه؟ قلنا معناه أنه أخلص لله قلبه، فكأنه أتحف حضرة الله بذلك القلب، ورأيت في التوراة أن الله قال لموسى أجب إلهك بكل قلبك.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أن إبراهيم جاء ربه بقلب سليم ذكر أن من جملة آثار تلك السلامة أن دعا أباه وقومه إلى التوحيد فقال: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} والمقصود من هذا الكلام تهجين تلك الطريقة وتقبيحها.
ثم قال: {أئفكًا آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} قال صاحب الكشاف أئفكا مفعول له تقديره أتريدون آلهة من دونه إفكًا، وإنما قدم المفعول على الفعل للعناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يقرر عندهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم، ويجوز أن يكون إفكًا مفعولًا به يعني أتريدون إفكًا، ثم فسر الإفك بقوله: {آلهة دُونَ الله} على أنها إفك في أنفسها، ويجوز أن يكون حالًا بمعنى تريدون آلهة من دون الله آفكين.
ثم قال: {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ العالمين} وفيه وجهان أحدهما: أتظنون برب العالمين أنه يجوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في المعبودية وثانيها: أتظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في المعبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء.
ثم قال: {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} عن ابن عباس أنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم على مقتضى عادتهم، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه فأراد أن يتخلف عنهم ليبقى خاليًافي بيت الأصنام فيقدر على كسرها وههنا سؤالان الأول: أن النظر في علم النجوم غير جائز فكيف أقدم عليه إبراهيم والثاني: أنه عليه السلام ما كان سقيمًا فلما قال إني سقيم كان ذلك كذبًا، واعلم أن العلماء ذكروا في الجواب عنهما وجوهًا كثيرة الأول: أنه نظر نظرة في النجوم في أوقات الليل والنهار وكانت تأتيه سقامة كالحمى في بعض ساعات الليل والنهار، فنظر ليعرف هل هي في تلك الساعة وقال: {إِنّى سَقِيمٌ} فجعله عذرًا في تخلفه عن العيد الذي لهم وكان صادقًا فيما قال، لأن السقم كان يأتيه في ذلك الوقت، وإنما تخلف لأجل تكسير أصنامهم الوجه الثاني: في الجواب أن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا أصحاب النجوم يعظمونها ويقضون بها على غائب الأمور، فلذلك نظر إبراهيم في النجوم أي في علوم النجوم وفي معانيه لا أنه نظر بعينه إليها، وهو كما يقال فلان نظر في الفقه وفي النحو وإنما أراد أن يوهمهم أنه يعلم ما يعلمون ويتعرف من حيث يتعرفون حتى إذا قال: {إِنّى سَقِيمٌ} سكنوا إلى قوله.
أما قوله: {إِنّى سَقِيمٌ} فمعناه سأسقم كقوله: {إِنَّكَ مَيّتٌ} [الزمر: 30] أي ستموت الوجه الثالث: أن قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم} هو قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام: 76] إلى آخر الآيات وكان ذلك النظر لأجل أن يتعرف أحوال هذه الكواكب هل هي قديمة أو محدثة، وقوله: {إِنّى سَقِيمٌ} يعني سقيم القلب غير عارف بربي وكان ذلك قبل البلوغ الوجه الرابع: قال ابن زيد كان له نجم مخصوص، وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم ولأجل هذا الاستقراء لما رآه في ذلك الوقت طالعًا على تلك الصفة المخصوصة قال: {إِنّى سَقِيمٌ} أي هذا السقم واقع لا محالة الوجه الخامس: أن قوله: {إِنّى سَقِيمٌ} أي مريض القلب بسبب إطباق ذلك الجمع العظيم على الكفر والشرك، قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ} [الشعراء: 3] الوجه السادس: في الجواب أنا لا نسلم أن النظر في علم النجوم والاستدلال بمقايستها حرام، لأن من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص، فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل.
وأما الكذب فغير لازم لأنه ذكر قوله: {إِنّى سَقِيمٌ} على سبيل التعريض بمعنى أن الإنسان لا ينفك في أكثر أحواله عن حصول حالة مكروهة، إما في بدنه وإما في قلبه وكل ذلك سقم.
الوجه السابع: قال بعضهم ذلك القول عن إبراهيم عليه السلام كذبة ورووا فيه حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» قلت لبعضهم هذا الحديث لا ينبغي أن يقبل لأن نسبة الكذب إلى إبراهيم لا تجوز فقال ذلك الرجل فكيف يحكم بكذب الرواة العدول؟ فقلت لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبته إلى الخليل عليه السلام كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى، ثم نقول لم لا يجوز أن يكون المراد بكونه كذبًا خبرًا شبيهًا بالكذب؟ والوجه الثامن: أن المراد من قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم} أي نظر في نجوم كلامهم ومتفرقات أقوالهم، فإن الأشياء التي تحدث قطعة قطعة يقال إنها منجمة أي متفرقة ومنه نجوم الكتابة، والمعنى أنه لما سمع كلماتهم المتفرقة نظر فيها كي يستخرج منها حيلة يقدر بها على إقامة عذر لنفسه في التخلف عنهم فلم يجد عذرًا أحسن من قوله: {إِنّى سَقِيمٌ} والمراد أنه لابد من أن أصير سقيمًا كما تقول لمن رأيته على أوقات السفر إنك مسافر.
واعلم أن إبراهيم عليه السلام لما قال: {إِنّى سَقِيمٌ} تولوا عنه معرضين فتركوه وعذروه في أن لا يخرج اليوم فكان ذلك مراده {فَرَاغَ إلى ءالِهَتِهِمْ} يقال: راغ إليه إذا مال إليه في السر على سبيل الخفية، ومنه روغان الثعلب.
وقوله: {أَلا تَأْكُلُونَ} يعني الطعام الذي كان بين أيديهم، وإنما قال ذلك استهزاء بها، وكذا قوله: {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا} فأقبل عليهم مستخفيًا كأنه قال فضربهم ضربًا لأن راغ عليهم في معنى ضربهم أو فراغ عليهم ضربًا بمعنى ضاربًا.
وفي قوله: {باليمين} قولان الأول: معناه بالقوة والشدة لأن اليمين أقوى الجارحتين والثاني: أنه أتى بذلك الفعل بسبب الحلف، وهو قوله تعالى عنه: {وتالله لاكِيدَنَّ أصنامكم} [الأنبياء: 57] ثم قال: {فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} قرأ حمزة {يَزِفُّونَ} بضم الياء والباقون بفتحها وهما لغتان، قال ابن عرفة من قرأ بالنصب فهو من زف يزف، ومن قرأ بالضم فهو من أزف يزف، قال الزجاج: يزفون يسرعون وأصله من زفيف النعامة وهو ابتداء عدوها، وقرأ حمزة يزفون أي يحملون غيرهم على الزفيف، قال الأصمعي يقال أزففت الإبل إذا حملتها على أن تزف، قال وهو سرعة الخطوة ومقاربة المشي والمفعول محذوف على قراءته كأنهم حملوا دوابهم على الإسراع في المشي، فإن قيل مقتضى هذه الآية أن إبراهيم عليه السلام لما كسرها عدوا إليه وأخذوه، وقال في سورة أخرى في عين هذه القصة.
{قَالُواْ مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين قالوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم} [الأنبياء: 59، 60] وهذا يقتضي أنهم في أول الأمر ما عرفوه فبين هاتين الآيتين تناقض؟ قلنا لا يبعد أن يقال إن جماعة عرفوه فعمدوا إليه مسرعين.
والأكثرون ما عرفوه فتعرفوا أن ذلك الكاسر من هو، والله أعلم.
{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)}.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن القوم لما عاتبوا إبراهيم على كسر الأصنام فهو أيضًا ذكر لهم الدليل الدال على فساد المصير إلى عبادتها فقال: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ووجه الاستدلال ظاهر وهو أن الخشب والحجر قبل النحت والإصلاح ما كان معبودًا للإنسان ألبتة، فإدا نحته وشكله على الوجه المخصوص لم يحدث فيه إلا آثار تصرفه، فلو صار معبودًا عند ذلك لكان معناه أن الشيء الذي ما كان معبودًا لما حصلت آثار تصرفاته فيه صار معبودًا عند ذلك، وفساد ذلك معلوم ببديهة العقل.
المسألة الثانية:
احتج جمهور الأصحاب بقوله: {والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى فقال النحويون: اتفقوا على أن لفظ ما مع ما بعده في تقدير المصدر فقوله: {وَمَا تَعْمَلُونَ} معناه وعملكم، وعلى هذا التقدير صار معنى الآية والله خلقكم وخلق عملكم، فإن قيل هذه الآية حجة عليكم من وجوه الأول: أنه تعالى قال: {أتعبدون ما تنحتون} أضاف العبادة والنحت إليهم إضافة الفعل إلى الفاعل ولو كان ذلك واقعًا بتخليق الله لاستحال كونه فعلًا للعبد الثاني: أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية توبيخًا لهم على عبادة الأصنام، لأنه تعالى بين أنه خالقهم وخالق لتلك الأصنام والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق، فلما تركوا عبادته سبحانه وهو خالقهم وعبدوا الأصنام لا جرم أنه سبحانه وتعالى وبخهم على هذا الخطأ العظيم فقال: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ولو لم يكونوا فاعلين لأفعالهم لما جاز توبيخهم عليها سلمنا أن هذه الآية ليست حجة عليكم لكن لا نسلم أنها حجة لكم، قوله لفظة ما مع ما بعدها في تقدير المصدر، قلنا هذا ممنوع وبيانه أن سيبويه والأخفش اختلفا في أنه هل يجوز أن يقال أعجبني ما قمت أي قيامك فجوزه سيبويه ومنعه الأخفش وزعم أن هذا لا يجوز إلا في الفعل المتعدي وذلك يدل على أن ما مع ما بعدها في تقدير المفعول عند الأخفش، سلمنا أن ذلك قد يكون بمعنى المصدر، لكنه أيضًا قد يكون بمعنى المفعول ويدل عليه وجوه الأول: قوله: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} والمراد بقوله: {مَا تَنْحِتُونَ} المنحوت لا النحت لأنهم ما عبدوا النحت وإنما عبدوا المنحوت فوجب أن يكون المراد بقوله: {مَا تَعْمَلُونَ} المعمول لا العمل حتى يكون كل واحد من هذين اللفظين على وفق الآخر والثاني: أنه تعالى قال: {فَإِذَا هي تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف: 117] وليس المراد أنها تلقف نفس الإفك بل أراد العصي والحبال التي هي متعلقات ذلك الإفك فكذا هاهنا الثالث: أن العرب تسمي محل العمل عملًا يقال في الباب والخاتم هذا عمل فلان والمراد محل عمله فثبت بهذه الوجوه الثلاثة أن لفظة ما مع بعدها كما تجيء بمعنى المصدر فقد تجيء أيضًا بمعنى المفعول فكان حمله هاهنا على المفعول أولى لأن المقصود في هذه الآية تزييف مذهبهم في عبادة الأصنام لا بيان أنهم لا يوجدون أفعال أنفسهم، لأن الذي جرى ذكره في أول الآية إلى هذا الموضع هو مسألة عبادة الأصنام لا خلق الأعمال، واعلم أن هذه السؤالات قوية وفي دلائلنا كثيرة، فالأولى ترك الاستدلال بهذه الآية، والله أعلم.
واعلم أن إبراهيم عليه السلام لما أورد عليهم هذه الحجة القوية ولم يقدروا على الجواب عدلوا إلى طريق الإيذاء فقالوا: ابنوا له بنيانًا واعلم أن كيفية ذلك البناء لا يدل عليها لفظ القرآن، قال ابن عباس: بنو حائطًا من حجر طوله في السماء ثلاثون ذراعًا وعرضه عشرون ذراعًا وملأوه نارًا فطرحوه فيها، وذلك هو قوله تعالى: {فَأَلْقُوهُ في الجحيم} وهي النار العظيمة، قال الزجاج: كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم، والألف واللام في الجحيم يدل على النهاية والمعنى في جحيمه، أي في جحيم ذلك البنيان، ثم قال تعالى: {فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا فجعلناهم الأسفلين} والمعنى أن في وقت المحاجة حصلت الغلبة له، وعندما ألقوه في النار صرف الله عنه ضرر النار، فصار هو الغالب عليهم. اهـ.